ظهور الفنانين السوريين دوليًا
دانيال غورمان
المدير التنفيذي لمهرجان شبّاك
تنشر اتجاهات، ضمن برنامج أولويات العمل الثقافي السوري، سلسلة من مقالات الرأي بأقلام مجموعة من الخبراء والفاعلين الثقافيين السوريين وغير السوريين. يهدف هذا النشاط إلى تسليط الضوء على مجموعة من القضايا والتحديات التي تواجه العمل الثقافي السوري.
يقدم الفنانون السوريون أعمالًا مذهلة، تحت ضغوط كبيرة ومتنوعة. كشخص غير سوري يعمل ويعيش في لندن، أود اغتنام فرصة هذه المقالة لأتناول ما يمكننا، كمنظمات فنية دولية وكأفراد غير متأثرين مباشرة بالصراع السوري، فعله لتقديم دعم أفضل للفنانين السوريين.
أشغل منصب المدير التنفيذي لمهرجان شبّاك، وهو مهرجان للثقافة العربية المعاصرة يُقام كل سنتين في لندن. حالفني الحظ بالإقامة في سوريا بين عامَي 2008 و2010، وفيما كنت هناك، تعرفتُ إلى فنانين كثر ما زلتُ على اتصال بالعديد منهم اليوم، ولم يبقَ منهم داخل سوريا إلا فنان واحد. منذ غادرتُ سوريا، أحاول التركيز على تقديم أعمال الفنانين السوريين للجمهور الدولي. نظمتُ Reel Syria وساهمتُ في تنظيم جولة للفنانين والكُتّاب السوريين في بريطانيا بمناسبة نشر كتاب سوريا تتحدث عام 2014.
عام 2016، عقد مهرجان شباك شراكة مع المجلس البريطاني لدعم الفنانين السوريين الذين نزحوا عن بلادهم. تم هذا المشروع بإدارة مشتركة مني ومن المدير الفني لمهرجان شباك، إكهارد ثاينمان. دعمنا عشرين فنانًا سوريًا في المنفى لصناعة أو استكمال أعمال فنية جديدة، وتنوعت الأعمال بين المسرح والألبومات الموسيقية والنحت والسينما. كان هذا المشروع واسع النطاق، يضم أشكالًا فنية متنوعة في أماكن جغرافية متعددة، كثيرًا ما تغيرت سريعًا نتيجة تغير ظروف الفنانين السوريين الذين كنا نعمل معهم.
أردنا استخدام هذا التمويل لنتمكن من دعم الفنانين السوريين لتمكينهم من الاستمرار في صناعة أعمالهم الفنية، ومساعدتهم على إنشاء شبكات جديدة. كان العديد من هؤلاء الفنانين يواجه تحديات شخصية صعبة، ولذلك أردنا أن نخفف عنهم الأعباء الإدارية قدر الإمكان. لتحقيق ذلك، لم نعمد إلى اعتماد عملية تقديم طلبات، بل اعتمدنا على توصيات الزملاء، واضعين في اعتبارنا إشراك مزيج من الفنانين المعروفين عالميًا، بدرجة أو بأخرى، والفنانين "الصاعدين". تمثل هدفنا في أن يحقق كل مشروع دعم ثلاث نتائج: عمل فني جديد عالي المستوى، وفنان يتمتع بقدرات أكبر، وجمهور محدد أو منبر للعمل الفني المُنتَج.
تبين لنا سريعًا أن المبدأ الأساسي الواجب علينا اعتماده هو المرونة. كانت ظروف الفنانين تتغير باستمرار، لذلك طال زمن تنفيذ المشاريع. عند بدء المشروع، كان تسعة من الفنانين العشرين الذين اخترناهم يقيمون في أوروبا، وتسعة منهم في الدول المجاورة لسوريا، واثنان منهم في سوريا. عندما اكتملت الأعمال المدعومة، أصبح 15 من الفنانين يقيمون في أوروبا، وأربعة منهم في الدول المجاورة، ولم يبقَ أي منهم داخل سوريا. وراء هذه الأرقام تغيرات هائلة في حياة كل من هؤلاء الأفراد. أردنا أن نبقى مع الفنانين رغم تغير ظروفهم، والذين تحول العديد منهم من حالة الحاجة إلى دعم فوري إلى حالة عملية البحث في التطور الاستراتيجي بعيد الأمد.
سرّنا أن نكتشف أن الفنانين الذين عملنا معهم تمكنوا من صناعة أعمال جديدة رغم التحديات التي واجهوها، وأنشؤوا علاقات مهنية جديدة، وحققوا نجاحات كبيرة في القطاع الثقافي. عُرِضت أعمال الفنانين الذين تلقوا الدعم في مهرجان البندقية السينمائي، وسُجلت أعمالهم في ألبومات، وقُدّمت في مسارح أوروبية كبيرة.
طلبنا من مُقيّمة من خارج المؤسسة أن تتحدث إلى الفنانين الذين تلقوا الدعم جميعًا. ولعل أهم استنتاج توصلت إليه هو أن الفنانين جميعًا شعروا بأنهم تمتعوا بالحرية الإبداعية الكاملة أثناء تنفيذ المشاريع، وبالدعم نتيجة تفهّم "شبّاك" لمشاريعهم. كما تحدث الفنانون عن ميزات منها الوقت الإضافي، والشراكات الاستراتيجية، والقدرة الأكبر على بيع ونشر أعمالهم.
بناءً على هذه التجربة، وجدتُ من المفيد أن أعرض أهم الدروس المستفادة من العملية:
المرونة
كانت المرونة من أهم الدروس التي تعلمناها. سيضيع وقت العديد من الفنانين في الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بإقاماتهم الجديدة. ليس في إمكان المؤسسات الفنية الدولية فعل الكثير، رسميًا، في هذا الشأن (عدا تقديم رسائل الدعم)، ولكن الفنانين يحتاجون للتفهم والدعم المعنوي والكثير من المرونة في المواعيد والجداول الزمنية.
الشبكات
رغم أن معظم الفنانين السوريين كانوا منعزلين حتى العقد الأول من الألفية، أوجد العديد منهم، منذ عام 2011، شبكات قوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأنشأ بعضهم شبكات معارف دولية متميزة. إلا أن هذا لا يؤدي بالضرورة إلى شبكات من الشركاء الفنيين والمتعاونين والممولين والجمهور في أماكن تواجدهم الجديدة (مثل ألمانيا). لذلك، في الحالة المثلى، يجب أن يترافق التمويل مع إرشاد الفنانين ومساعدتهم على تشكيل علاقات جديدة، وربما تقديم الدعم اللغوي أيضًا لترجمة المواد المرتبطة بالمشاريع الفنية.
تغريب الآخر
في شبّاك، قدمنا الفنانين، أولًا وقبل كل شيء، على أنهم فنانون. وعملنا معهم لضمان تقديمهم بالصورة التي يرغبون في تقديمها عن أنفسهم. ثمة خطر من الوقوع في فخ السردية التي يقدمها الإعلام حول فناني "الصراع" أو الفنانين "اللاجئين"، وهو أمر نتجنبه. بالتوازي، ثمة خطر التنسيق السيئ أيضًا، وبأن تُعرَض الأعمال لمجرد أن صانعها من أصول سورية. يقوم بهذا غالبًا أفراد أو منظمات بنية حسنة، ولكننا ننصح بتشكيل علاقة عمل مشتركة بين المنظمات غير الحكومية والمنظمات الفنية.
العمل مع المبادرات السورية
منذ عام 2011، أُنشئت مؤسسات فنية وثقافية سورية متميزة حول العالم. ننصح بعقد شراكات مع هذه المؤسسات أو مناقشة الأفكار معها. ومن هؤلاء Syria Sixth Space واتجاهات وبدايات ومؤسسة الأتاسي وبينالي سوريا المقبل والعديد غيرها.
أخيرًا، وهو الأهم، توصيتنا الرئيسية هي التعامل مع الفنانين السوريين كفنانين قبل كل شيء. يجب أن تفكر المنظمات الدولية بشكل خلاق في السبيل الأمثل لدعم هؤلاء الفنانين وغيرهم في زمن النزوح، لصناعة وتقديم أعمالهم إلى جانب أعمال زملائهم من مختلف أنحاء العالم.