سوريا التي أرتنا الطريق مجدّداً
في لحظةٍ تاريخيّةٍ مفصليّةٍ، نتشارك مع السوريّين والسوريّات مشاعر التحرّر من نظامٍ استبدادي حكم بالقتل، والقمع، والعنف، والترهيب. هذا التحرّر الذي صاغته جهود، وأفكار، وأحلام، ونضالات، وأرواح سوريّين وسوريّات يئسوا من الإحباط، وشكّكوا بيقين الطغيان، هو كثيرٌ بحدّ ذاته، ويصبح مزيداً من “الكثير” في اللحظة الحاليّة التي ارتسم العالم عليها مع مزيجٍ من الاستبداد، والتطرّف، والاحتلال. نشعر اليوم أنّنا اقتربنا من الغد خطوةً بسيطةً، ونؤمن – على الرغم من تحدّيات المرحلة الجديدة- بأنّنا أمام فرصةٍ تاريخيّةٍ لإعادة بناء سوريا على أسس الحريّة، والعدالة، والديمقراطيّة، والمساواة، والتنوّع، والكرامة الإنسانيّة.
نعي الأخطار الاستعماريّة – وفي مقدّمتها الإسرائيليّة- التي تحاول التوسّع وانتهاز اللحظة، وندرك أنّ المرحلة القادمة تتطلّب مساحةً مدنيّةً تتجاوز الانقسامات والصراعات السابقة، للوصول إلى دولةٍ تحترم التنوّع، وتضمن الحقوق والحريّات لكل مواطنيها ومواطناتها بدون تمييزٍ، وتحتفل بمهجرها ليكون أساساً في رسم قادمها. وإنّنا على قناعةٍ بأنّ الفنون، والثقافة، والتراث ستكون في صميم زادنا لبدء إنجاز أحلام الثورة المؤجّلة، ومواجهة تحدّيات وعواقب سنوات الجمر التي استشرت في البلاد.
منذ عام 2011 لعبت الفنون والثقافة السوريّة دوراً محوريّاً في المقاومة، والتعبير، والهويّة، وأتت لتبني على أصواتٍ كانت ترفض القمع لعقودٍ خلت. داخل سوريا كان صوت الفنون المستقلة أحد آخر معاقل الحياة المدنيّة أمام المحاولات المستمرّة لوأدها من مختلف الجهات المسيطرة والقوى الحاكمة؛ وخارجها امتهن العاملون والعاملات في الفنون والثقافة الإصرار على التعريف بتضحيات السوريّين والسوريّات، ومواجهة المحاولات المتتالية لعزل سوريا، والتخلّي عن شعبها، وتهميشها، وتنميطها كأزمةٍ بلا حلول، إضافةً إلى العمل مع الجماعات المهجّرة واللاجئة حتّى لا تفقد هويّتها. وفي كلا المسارين ساهمت الفنون بأدوارٍ ملحّة في التوثيق، والنقد، والتغيير الاجتماعي، وكان للحركة الثقافيّة نصيبها من تقديم التضحيات من أفرادٍ ناضلوا، واعتُقلوا، وغُيّبوا، وقدّموا أرواحهم في سبيل التغيير.
ندعو جميع العاملين والعاملات من: أفرادٍ، وتجمّعاتٍ، ومؤسّساتٍ ثقافيّةٍ ومدنيّةٍ إلى التفاعل مع ما يحدث، وبدء العمل، والتنسيق والتكامل في الجهود لتكون الفنون جزءاً من حاضر سوريا ومستقبلها، ولتساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي، وتطبيق مسار العدالة، وبناء مساحاتٍ مشتركةٍ للتفاهم والحوار، وتقليل الانقسامات، ودعم التعدديّة الثقافيّة التي تركّز على قيم المواطنة. كما ندعو إلى حماية التراث الثقافي السوري بمكوّناته كافّة ليكون وسيلةً للصمود والحفاظ على الذاكرة الجماعيّة لمكوّنات المجتمع كافّة، والتحركّ العاجل لحماية البُنى، والمكوّنات التراثيّة، والفضاءات الثقافيّة العامّة والخاصّة كافّة، وسلامتها من الاستغلال، والنهب، والتخريب. كما ندعو إلى إعادة بناء الجسور بين العاملين والعاملات في المجال الثقافي بين السوريّين، ومع أقرانهم في المنطقة العربيّة والعالم، وندعو إلى بناء قدرات القطاع الثقافي السوري المستقل في سوريا ومهجرها ليكون حاملاً للتغير المنشود، وتعزيز حضور وزخم الفنون لتكون مساحةً لتوثيق المعاناة والتضحيات، ولتخيّل وصناعة مستقبلٍ ملهم.
هذه لحظةٌ للفخر والفرح، ولحظةٌ لبدء الحداد المؤجّل على كل التضحيات وأشكال الفقد، وهذه لحظةٌ لبدء العمل بنقديّةٍ عاليةٍ، واشتباكٍ مع المجال العام بكل مكوّناته وأطيافه، وهذه لحظةٌ لترقّب وصول المغيّبين والمغيّبات قسراً، وعودة المعتقلين والمعتقلات، وهذه لحظةٌ للتفكير بسوريا بكونها فضاءً للعدالة والتعدديّة، وهذه لحظةٌ للأمل لفلسطين بالتحرّر من احتلالها، وللأمل للبنان، والسودان، وبلدان المنطقة العربيّة كافّة، بالعدالة، والأمان، والسلام، وهذه لحظةٌ لشكر كل من وقفوا مع السوريّين والسوريّات في نضالهم المدني، وآمنوا بسرديتّه المحقّة، وهذه لحظةٌ لشكر الفنّانين والفنّانات في سوريا ومنافيها لانضمامهم إلى أقرانهم في مجالات العمل المدني كافّة، ورفضهم الأبد، وامتهانهم الأمل.
للاطلاع على البيان المتاح عبر منصاتنا للجمهور وللانضمام وإضافة توقيعكم/ن يرجى زيارة منصات التواصل الاجتماعي: انستغرام - فيسبوك