الفيلم الوثائقي 300 ميل في مهرجان لوكارنو الدولي ولقاء مع المخرج عروة المقداد

Jul 2016

في عرضه العالمي الأول، يُشارك الفيلم الوثائقي 300 ميل للمخرج السوري عروة المقداد في مهرجان لوكارنو الدولي في سويسرا ضمن مسابقة Signs of Life لينافس سبعة أفلام أخرى من العالم. حيث سيكون عرضه الأول يوم 11 آب/ أغسطس 2016. يتحدث عروة المقداد مخرج الفيلم وأحد مستفيدي الدورة الأولى من برنامج مختبر الفنون عن فيلمه 300 ميل، الفكرة والحكاية واللغة السينمائية والصعوبات خلال الأسطر التالية.  

 

يتناول الفيلم فكرة المسافة المقطعة التي خلقت في سوريا، المسافة واقعياً ودلالياً والتي تعود في جذرها إلى المسافات التي تقطعت في المنطقة بعد قيام دولة إسرائيل التي مزقت المنطقة على صعيد الانتماء والهوية والأولويات.

300 ميل هي المسافة التي كانت تفصلني في الشمال عن ابنة أخي نور في الجنوب. ذات المسافة تقريباً كان يقطعها جدي من قريتنا غصم إلى ميناء حيفا في فلسطين. جدي الذي تزوج امراة فلسطينية نزحت بعد النكبة ولم تعد قادرة “هي” أو “هو” على الرجوع. بعد النكبة خلقت الأنظمة القمعية التي حكمت المنطقة باسم القضية، والتي أدّت في ممارساتها الوحشية إلى ثورة حاولت أن تغير تلك المسافات، ولكن النظام ومن خلفه العالم دفع لوئد الثورة فاستحالت المسافات بين المدن السورية إلى مسافات مستحيلة أيضاً.

نور في الجنوب ومن خلال كاميرتها تسألني عن تلك المسافة التي تحول بيننا وعن عدم قدرتي على الرجوع، وأنا في الشمال أحاول أن أجد أجوبة عن سبب تعقد مسارات الثورة واستحالتها إلى حرب، وذلك من خلال شخصية عدنان الناشط المدني وأبو يعرب المقاتل في الجيش الحر. أمام أسئلتها وجدت نفسي أمام أسئلتي الداخلية التي رحت أبحث عنها في مدينة معقدة ومفتوحة كمدينة حلب تكاد تختصر كل إشكاليات الثورة الكبيرة من ناحية التعقيد والعنف. خلال الفيلم نشاهد عالمين مختلفين متداخلين وما بينهما من مسافات وأحلام وانكسارات وخيبات.

اعتمد الفيلم في البداية على تجريد الشخصيات والأماكن إن صح التعبير لأستطيع خلق مقاربة للحالة السورية بكليتها وعلى اختلاف أماكنها، فنحن مع عدنان لسنا أمام شاب حلبي وناشط سلمي في مدينة حلب، بل نحن أمام أسئلة شاب وهواجس فلسفية تكاد يتشارك فيها الكثير من السوريين على اختلاف أماكنهم. كذلك ينطبق الأمر على أبو يعرب المقاتل في الجيش الحر الذي يلخّص في شخصيته إشكالية المقاتلين الذين يقاتلون دون أجندة ويحاولون الحفاظ على بوصلة الثورة كما أن نور ليست مجرد ابنة أخي ولكنها وجهة نظر طفلة تراقب الحرب من وجهة نظرها.

تطلّب ذلك الاشتغال على موقع التصوير، أي أن نشعر بخصوصية كل موقع تصوير، فنحن مع عدنان في بيته الذي يمضي جلّ وقته فيه ويبدو أنه يُخرج أفكاره الداخلية، كما أننا لا نخرج من نقطة أبو يعرب في خط الجبهة.

اعتمدت في كثير من الأحيان اللقطات الثابتة، فعلى الرغم من الدمار الكبير والحرب الشرسة إلا أننا لا نشعر بضجيج المكان، لكننا نعيش في العوالم الداخلية للشخصيات. قمت بتوظيف هذا الثبات لأبتعد عن استدرار العواطف في الفيلم، لأن فرضية الفيلم هي تقديم صورة أعمق حول ما يحدث في سوريا. وبالتالي اللعب على تصوير الشخصيات والأماكن تبعاً لإيقاع الحرب يثير حالة من العاطفة لا تخلق حالة من الفهم لدى المتلقى.

الكوادر في كثير من الأحيان كانت مواجهة للشخصيات، وهذا يعكس موقفي، فأنا لم أكن مجرد متابع، ولكنني كنت فاعلاً فيما يحدث تبعاً لاستطاعتي، وهذا ما وطّد علاقتي مع الشخصيات ومكّنني من طرح أسئلة إشكالية. إن الاشتغال على هذه الكوادر هو حالة المسائلة، التي قد تكون فيها الكاميرا هي الضمير، على ما يحدث من وجهة نظر الرأي العام الذي أمثله في حالة تواجدي مع الشخصيات.

اعتمدت في عالم نور على ترك الكاميرا معها، على الرغم من إمكانية تصويرها من قبل شخص آخر. نرى عالم الحرب من خلال عينيها. نتعرف على عمق ما يحدث مع الأطفال ومشاعرهم. إن تواجد عالم نور مع عالمي يخلق تناقض الحرب الرهيبة التي لا نستشعرها فقط بالدمار ولكن أيضاً في اللحظات البسيطة التي تمضيها الشخصيات.

واجه الفيلم العديد من الصعوبات، فالعمل في ظروف الحرب غاية في التعقيد. كما أن الفيلم صُوّر على مدار 4 سنوات ولم يتلقى في البداية سوى دعم ضئيل. لم يكن ليتم العمل لولا دعم العديد من الأشخاص وإيمانهم بطرح الفيلم على أنه جزء من ثورتهم. كما أن التنقل المستمر دون وجود فريق مساعد مثّل نقطة غاية في الصعوبة لانني كنت المصور في الشمال والمخرج ومنفذ الصوت. 


© الحقوق محفوظة اتجاهات- ثقافة مستقلة 2024
تم دعم تأسيس اتجاهات. ثقافة مستقلة بمنحة من برنامج عبارة - مؤسسة المورد الثقافي